بروفايل

مقولات “باوخ سبينوزا” بكتاب”علم الأخلاق”

 

دائما ما يكون للمفكرين والأدباء والفلاسفة أراء مختلفة يحكمون بها علي سلوك الناس ومن بين هؤلاء الفلاسفة الكاتب باوخ سبينوزا في كتاب”علم الأخلاق” والذي قال فيه 

إن «الناس يتصرفون دائماً لغاية معينة، وهي ما يرغبونه من مصلحة شخصية، وبناءً عليه يكون مسعاهم الوحيد هو معرفة العلل النهائية للأعمال المنجزة، فلا يهدأ لهم بال حتي يتحصلوا على معلومات حولها ولا يبقي لهم أي داعٍ للقلق، وإذا تعذر عليهم معرفة هذه العلل من غيرهم، يلجأون إلى ذواتهم ويتأملون في الغايات التي تدفعهم عادةً إلى القيام بهذه الأعمال، فيحكمون بالتالي على طبع غيرهم بناءً على طابعهم الخاص. وبما إنهم يجدون، فضلاً عن ذلك، في ذواتهم وخارج ذواتهم، عدداً كبيراً جداً من الوسائل التي تساعدهم على الفوز بما ينفعهم، من ذلك مثلاً أن لهم عيوناً بها يبصرون، وأسناناً بها يمضغون، وأعشاباً وحيوانات بها يتغذون، وشمساً بها يستضيئون، وبحراً لتغذية الأسماك… إلخ

فإنهم اعتبروا أن كل الأشياء الموجودة في الطبيعة أدوات في خدمتهم. وبما إنهم يعلمون من جهة أخري، أن هذه الأدوات ليست من صنعهم الخاص، بل عثروا عليها عثوراً، فقد رأوا في ذلك باعثاً للإعتقاد في وجود شخص مدّهم بها كي يسخروها لأنفسهم، وبعد أن نظروا إلى الأشياء على أنها وسائل في خدمتهم، لم يعتقدوا بأنها قد صنعت نفسها بنفسها، بل استنتجوا بالنظر إلى الوسائل التي تعودوا تدبيرها لأنفسهم، أنه يوجد مدير أو كثرة من المديرين في الطبيعة يتمتعون بحرية إنسانية، وأنهم سخروا كل ما عليها لسد حاجات الإنسان. ونظراً إلى إفتقارهم المستمر لما يعرفهم بطبع هذه الكائنات، فقد حكموا عليها بناءً على طبعهم الشخصي، وأقروا بأن الآلهة تُسخر كل شيء لصالح الأدميين كي يتعلقوا بها وتنال منهم أعظم تمجيد، وبالتالي فقد ابتكر كل واحد، وفقاً لطبعه ومزاجه، طرقاً مختلفة لعبادة ربه وإستعطافه أكثر من غيره، كي يسخّر الطبيعة كلها وفقاً لرغبته العمياء وجشعه اللامحدود .

وبهذه الصورة إستحال هذا الحكم المسبق إلى معتقد باطل تجذّر في أعماق النفس، مما جعل الناس يبذلون قصارى جهدهم لمعرفة العلل الغائية لجميع الأشياء وتفسيرها، لكن لما كانوا يثبتون أن الطبيعة لا تتصرف عبثاً، فإنهم لم يثبتوا أمراً آخر، في ما يبدو،غير أن الطبيعة والآلهة مصابة بنفس هذيان الآدميين. 

أنظروا أرجوكم إلى ما أفضت إليه الأمور، فرغم كثرة المنافع التي تقدمها الطبيعة، لم يجدوا بداً من ذكر المساوئ العديدة، كالزوابع والهزات الأرضية والأمراض…. إلخ واقروا بأن هذه الظواهر هي تعبير عن غضب الله المغتاظ من ذنوب الآدميين أو من تهاونهم في عبادته. ورغم أن التجربة تكذّب يومياً هذا الإعتقاد وتبين أن الأتقياء والزنادقة يكونون عرضة للنعم أو المصائب على حد السواء، فإنهم لم يتخلوا عن ذلك الحكم المسبق المتأصل فيهم، بل لقد استسهلوا إعتبار هذا الأمر من جملة الأمور الخفية التي يجهلون فيما تستخدم، وفضلوا البقاء في ما هم عليه من جهل فطري، على هدم كامل البناء واعتبار بناء جديد. 

وعلى ذلك فقد أيقنوا أن أحكام الله متعالية جداً على فهم الإنسان، ولا شك أن هذا السبب وحده كان كافياً كي يبقي الجنس البشري في جهل مستمر للحقيقة. 

وفضلاً عن الرياضيات، توجد أسباب أخري (لا داعي إلى ذكرها هنا) جعلت الناس ينتبهون إلى هذه الأحكام المسبقة الشائعة ويقبلون على المعرفة الحقيقة للأشياء.».

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights